يقيني ذي أنقذ ابي ...
في يوم الجمعة الرابع من يوليو، في الساعة الثامنة والنصف صباحاً شعر والدي بألم في صدره وبصعوبة شديدةفي التنفس، وقال وهوفي غاية التعب : أريد أن أذهب للطوارئ فوراً..
شعرت بأن وضعه حرج فعلاً فهذه المرة الأولى التي يقولها والدي، ِفهو يكره المستشفيات عموماً...
لبسنا على عجل، وخرجنا وعندما وصلنا إلى طوارئ "عيادة التقوى" التي كانت بالقرب من منزلنا، فحصه الطبيب المناوب على الفور، بعد أن أخبرته عن تاريخ الأزمة الصدرية التي ترافقه من حين لآخر،وبعد الكشف قال بإن والدي لديه نقصاً في الأكسجين وهذا مؤشر ليس جيداً ،وطلب من الممرض أن يضعه على جهاز الأكسجين حتى يتحسن..
في هذه الأثناء ذهبت أختي سالي لكي تشحن رصيد هاتفها لنكون على تواصل مع طبيب والدي الخاص ..بينما بقيت مع والدي. وفي هذه اللحظة الحرجة فجأة لاحظت أن شفتي والدي أصبحتا زرقاوتين، وغير قادر على التنفس رغم وجود جهاز الأكسجين،أتكلم معه ولكنه لايسمعني، وكان يسقط من كل جانب، بدون وعي صرخت بأعلى صوتي:( بابا بابا أنت تسمعني ؟) وصرخت: (يا دكتور ألحقني.. تعالى بسرعة ) .
في هذه الأثناء كنت أتكلم مع والدي وأنا أبكي، وقلت له بالحرف: (بابا لا تتركني أنا ماقدر أعيش بدونك ، هذا مش يومك والله مش يومك ) وكنت أقبل يديه ورجليه .
هرع الأطباء على صوت صراخي وبكائي وقال أحدهم: يجب أن تنقلوه بأقصى سرعة إلى مستشفى الهرم. قلت له سوف أذهب به إلى مستشفى خاصة لا أريد مستشفى حكومي، لا تهم التكاليف . قال: (لا ) يجب أن يذهب لمستشفى حكومي.. يوجد لديهم أشعة مقطعية وهي لازمة لحالته .
سالي عادت وسمعت صراخي وبدأت بالبكاء ثم اتصلت على باقي عائلتي لكي يلحقوا بنا ، وهنا كانت اللحظة الأصعب صعدنا السيارة، ووضعت رأس والدي على فخذي، وأنا أتلو له القرآن، وأحاول أن أفتح أصابع يديه المتشنجة بسبب نقص الأكسجين، دموعي تنهمر وعقلي في صدمة و ذهول.. لم أر والدي بهذه الحالة من قبل.. لا أعلم كيف أعطاني الله القوة لكي أتصرف وأدير الوضع الذي كنا فيه أنا وأختي سالي التي من هول صدمتها كانت تبكي فقط وكأن جسدها كله عجز عن فعل أي شيء، ولا ألومها، فقد كان الموقف شديد الوطأة، لو كنت مكانها لكنت مثلها ولكن الله شد أزري ، كنت أدعو الله وأقول له: (يارب لا تحرمني من وجه أبي ولا صوته ولا ضحكته ولاطلته يارب .. يارب أشفيه بقدرتك وقوتك وعظمتك.. يارب أنت القادر على إرجاعه للحياة يارب أنا يقيني قوي بك ) كان قلبي مطمئناً لأن الله أنزل عليه السكينة والطمأنينة،كان يدعمني وكأنه يقول لي "لقد سمعتك لا تقلقي". كانت نظرات والدي لي وكأنه يريد أن يملأ عينيه مني حتى يشبع.. كان كل ما أغمض عينيه أناديه مع أنه لا يسمعني ولكن كان يفتحهما رحمةً بي .وهنا.... حصلت (المعجزة الربانية) قبل أن نصل للمستشفى بخمس دقائق أفاق والدي من غيبوبته عندما شهق.. وهذا كان أول شيء ينطق به.. قلت له: بابا... تسمعني؟؟ هز رأسه وقال نعم. سألته: من أنا قال (عبيري).
لا أستطيع أن أصف شعوري في هذه اللحظة من الفرحة بفضل الله وكرمه وشكرته على الفور: ( شكراً لك يا الله شكراً لأنك أعدت والدي للحياة..) وكأن الله يقول لي: ألم تستنجدي بي؟ ألم تثقي بي ؟ألم يكن يقينك بي قوياً؟ لقد فرحت أن الله جعل الفضل له وحده ولم يجعل لأي طبيب أو أي جهاز الفضل في ذلك .
وصلنا المستشفى وقام الأطباء باللازم عندما رأيته يتلقى العلاج والرعاية تنفست الصعداء، في هذا الوقت وصل أخي وأختي ووالدتي كانت أعيننا مليئة بالدموع تنهمر وتسقط من دون أي كلام ، ووالدي يسألنا باستغراب: لماذا تبكون؟؟ فنجيبه؛ من خوفنا عليك! كنت حريصة الا يعلم بشيء بشأن الغيبوبة المؤقتة التي تعرض لها . أجريت لوالدي الأشعة المقطعية التي ظهر من خلالها إنسداد رئوي بسيط جداً، وظهرت فحوصات الدم سليمة والحمدلله.
في طريق العودة إلى المنزل، كان والدي يقول باستغراب:أنا لم أشعر بكم وأنتم تنقلوني إلى مستشفى آخر، ولا بكل هذه المسافة التي قطعناها!! ألم نكن في مستشفى بجانب المنزل ؟ قلت له لقد كنت متعباً فسكت وهو غير مقتنع كأنه يشعر أن ثمة أمر حصل ولكنهم يخبئونه عني..
وصلنا للمنزل و اشتريت له الأدوية التي سيستخدمها،للجلسات التنفسية وعندما أخذها تعب مرة أخرى وازاح جهاز الاكسجين من فمه وقال: انا متعب... أرجعوني للطوارئ..
لبسنا كلنا مرة أخرى.. كنت خائفة وقلقة فلم أر والدي بهذا القدر من التعب من قبل .
تواصلت مع الدكتور محمد إبراهيم إخصائي الأمراض الصدرية الذي كان يتابع معي بدقة كل شيء بصدر رحب،، هذا الطبيب الذي مهما شكرته أشعر بأني مقصرة في حقه، فأنا ممتنة له بعد الله ، حيث في المرة الثانية طلب مني أن اجري لوالدي أشعة مقطعية على المخ لنتأكد من كل شيء بسبب فقدانه للوعي والتشنج الذي نتج عنه. استدعت المستشفى طبيب المخ والأعصاب، وكانت نتيجة الفحوص سليمة بفضل الله وكان يتحدث مع اختي سالي التي كانت حريصة ألا يسمع والدي بتعرضه لفقدان وعي مؤقت ولكن الطبيب كان صوته عالياً، وعندما سألني والدي قلت له لا تقلق فهذا شيء وارد وأمر طبيعي في حالات نقص الأكسجين.
لقد تأخرت في كتابة هذا المقال لشدة خوفي وقلقي وتوتري.. في كل مرة أريد أن اكتب بها تنتابني نوبات من الهلع، وجسدي كله يرتجف كلما أتذكر الموقف. أخيراًتخطيت جزءًا بسيطاً من ذاكرتي التي تريد أن تمحي هذا اليوم بأكمله.. لقد كتبته ودموعي تنهال على هاتفي فأنا لم أنسه،واتذكره يومياً، ولكن رؤية والدي وهو بصحة وعافية تجعلني أتناسى الألم.
لا أستطيع أن أنسى جميع من تواصل معنا سواءًا بالاتصال أو بإرسال الرسائل النصية بدعوات مليئة بالحب الذي جعلني أرى هذا الكم الهائل من المحبين لوالدي من الأهل والأصدقاء والأقارب.
لم يكن في مخيلتي ولو واحد في المئة أن يضعني الله في مثل هذا الإمتحان الذي جعل حبي وتعلقي بوالدي يزداد أكثر من ذي قبل، ولكنني عرفت انني كنت قد الإمتحان حيث تيقنت أن يقيني بالله لا يضاهيه أي شيء، وهذا اليقين هوالذي أنقذ والدي. فالحمد والشكر لك ربي .